لم يهدأ إيقاع التانغو الذي هز السبعينات بجرأته وحداثته والذي أزعج عنفه العديد في نفس الوقت. ليعود في الأيام الأخيرة الجدل بشأن هذا الفيلم للإيطالي برتولوتشي إلى الواجهة وبالتحديد بخصوص مشهد الاغتصاب الذي صنع شهرته.
للمشاهدة من هنا : https://goo.gl/QqFkhA
بعد قرابة عشر سنوات على اعتراف الممثلة الفرنسية ماريا شنايدر بأن مشهد الاغتصاب قد فرض عليها، جاءت بدورها اعترافات مخرج هذا الفيلم الأسطورة الذي زعزع السبعينات لتثير من جديد جدلا واسعا حول مكانة الجنس في السينما.
"التانغو الأخير في باريس" هو الفيلم العالمي الوحيد الذي أثار حين صدر عام 1972 عاصفة بهذا الحجم من الرفض في قلب أوروبا، بتهمة خدش الحياء العام. فمنع الفيلم في فرنسا للأقل من 18 سنة، وصنفته العديد من البلدان "بورنوغرافيا". لم يكن المحتجون على الفيلم من خارج الوسط السينمائي فإلى جانب الشارع والجمعيات العائلية، أطلق النقاد سهامهم اللاذعة لفيلم اتهموه بالفسوق.
منع الفيلم إطلاقا في إيطاليا، بلد المخرج برناردو برتولوتشي الذي أسقطت عنه حقوقه المدنية. وتحت ضغط الفاتيكان حكم القضاء الإيطالي عليه وعلى بطلي الفيلم، ماريا شنايدر ومارلون براندو، بالسجن مع وقع التنفيذ بتهمة "البورنوغرافيا".
ومن أبرز المشاهد التي صنعت شهرة الفيلم هي تلك التي تظهر براندو يباغت شنايدر في المطبخ ليأتيها من دبرها مستخدما قطعة من الزبدة.
صرنا متأكدين اليوم بأن شنايدر لم تكن موافقة على تصوير هذا المشهد. ففي شريط فيديو من العام 2013 عاد إلى الواجهة بعد أن عثرت عليه في الفترة الأخيرة النسخة الأمريكية لمجلة "آل" (هي) يقر برتولوتشي بأنه تخيل بعض تفاصيل هذا المشهد مع مارلون براندو دون أن يخبر ماريا شنايدر بشأنها مسبقا. فيقول "مشهد الزبدة هي فكرة جاءتني مع مارلون عشية التصوير. أردت أن ترد (ماريا شنايدر) الفعل، أن تشعر بالإهانة. أظن أنها كرهتنا نحن الاثنين لأننا لم نعلمها بشيء".
لكن برتولوتشي أصدر بيانا أمس الإثنين يؤكد فيه "يظن البعض أن ماريا لم تحط علما بالعنف الذي تعرضت له (في المشهد). خطأ ! ماريا كانت تعرف كل شيء لأنها قرأت السيناريو حيث وصف كل شيء. الجديد الوحيد كانت فكرة الزبدة"
"دموعي كانت حقيقية فقد شعرت بأنني أهنت واغتصبت"
وإن كان المخرج قد اعترف في الفيديو بأنه يشعربالذنب، فهو يدافع من جهة أخرى على موقفه مؤكدا أنه كان يسعى إلى تصور مشهد يكون الأقرب إلى الواقع وأنه كان يريد الحصول على ردة فعل شنايدر "كفتاة وليس كممثلة". فيقول "للحصول على نتيجة (تذكر) يجب أن تكون حرا بالكامل. لم أرد أن تمثل ماريا إحساسها بالإهانة والغيظ، أردتها أن تشعر فعلا بالغيظ والإهانة". لكن هذا الموقف لا يغفر شيئا. فماريا شنايدر كانت في ذلك الوقت في الـ19 من العمر.
فلا شك أن مواجهتها براندو الذي يكبرها بـ29 عاما وبرتولوتشي الذي يكبرها بـ12 عاما، حين انطبق عليها الفخ، لم يكن أمرا هينا ولا كانت تملك المؤهلات اللازمة للخروج من الأزمة. وكانت قد صرحت عام 2007 (وقبل بضع سنوات من وفاتها في 2011) للدايلي ميل أنها كانت حتى تجهل أنه من الممكن أن ترفض تصوير مشهد لم يرد في السيناريو وأنها شعرت بالإهانة وإلى حد ما وكأنها اغتصبت على يد هذين الرجلين اللذين استغلاها.
وقالت شنايدر للصحيفة البريطانية "كان علي أن أتصل بوكيل أعمال أو أستدعي محامي إلى مكان التصوير، فلا يمكن أن نرغم الممثل على تصوير ما لم يرد في السيناريو. لكن في ذلك الزمن لم أكن أعلم ذلك. مارلون قال لي "لا تهتمي ماريا ليس سوى فيلما". لكن أثناء التصوير، وحتى إن كان ما يفعله بي مارلون لم يكن حقيقة، فإن دموعي كانت حقيقية. شعرت بالإهانة، وحتى أكون صادقة، أشعر بأنني اغتصبت نوعا ما على يد مارلون وبرتولوتشي. بعد هذا المشهد، لم يواسني مارلون ولم يعتذر. لحسن الحظ لم يصور المشهد إلا في لقطة واحدة".
ولم تثر تصريحات الممثلة، قبل قرابة عشرة سنوات الضجة، فوجب أن تكشف "آل" عن تصريحات برتولوتشي لينطلق سيل الاستنكار لا سيما من هوليود حيث نددت العديد من الشخصيات بما قاله المخرج وبما حصل. فعلى سبيل المثال، كتبت الممثلة جيسيكا شاستان على تويتر "إلى كل من يحب هذا الفيلم. تشاهدون فتاة في الـ19 من العمر وهي تغتصب على يد رجل في الـ48. المخرج دبر هذا الهجوم. أشعر بالغثيان". وغرد من جهته الممثل كريس إيفانس "نعم ! لن أشاهد أبدا هذا الفيلم مرة أخرى. برتولوتشي أو مارلون براندو على حد السواء. أسوأ من الاشمئزاز، أشعر بالغيظ".
وربما أن الأسوأ هو أن مارلون براندو وبرناردو برتولوتشي رشحا عام 1974 لجوائز الأوسكار عن عملهما في هذا الفيلم.